الأحد، 4 سبتمبر 2016

الفارابي- التعريف بالفارابي

مقدمة


قيل عنه أنه فيلسوف المسلمين غير دافع
ولقد قال عنه ابن خلكان
أنه أكبر فلافسة المسلمين ولم يكن منهم من بلغ رتبته في فنونه
إنه الفارابي .. أول مفكر مسلم .... ولقد تربع على عرش الفلسفة بلا منازع


ولقد قال مصطفى عنه :
ولئن كانت الأجيال تهتف بإسم الفارابي منذ الف عام في الشرق والغرب فإنه قد استحق ذلك بما وهب حياته لخدمة العلم والحكمة وبما ترك من أثر في تاريخ التفكير البشري وفي تاريخ المثل العليا ، للحياة الفاضلة .

ولقد ذكر أن فلسفة الفارابي : فلسفة إسلامية لا غبار عليها فلم ير فيها جمهرة المسلمين المعنين بالبحث الفكري ، حرجا ولا موضوع ريبة ، ولا نخالها تغضب متدنيا بالإسلام أو بغيره من الأديان ..

والفارابي فيلسوف إسلامي بعيد الغور وعالم لا يشق له غبار ومفكر مبدع نافذ البصيرة عاش ومات قبل ما يزيد على ألف من السنين ولكن كتبه وآراه العلمية والفلسلفية مازالت محل اهتمام العاماء حتى اليوم( الفارابي ،1396 ، ص 5 ) .
نلاحظ للأسف أن الفارابي للأسف لم ينل حظه من الدرس والبحث فأهمله معاصروه وأخطئوا في تقديره ، ونسى تقريبا في قرون التاريخ الطويلة ..

ولم يهتم به كثيرا في التاريخ الحديث وبقيت مؤلفاته مخطوطات ومجهولة لفترة طويلة ومن الملاحظ أن تلميذيه ابن سينا ن وابن رشد قد طغيا عليه طغيانا كبيرا ..

والمدهش ان هذا الفيلسوف الكبير قد بقى في الظل فترة طويلة وربما لهذا السبب أقدمه هنا في هذه الصفحات بادئتا بإلقاء بعض الضوء على حياته بحيث نتعرف أكثر على حياته وعلى عصره ..
وقد تساعدناهذه المعرفة على معرفة السبب في عبقرية هذا الفيلسوف .....



نسبه ونشأته :

هو أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان ولد عام 259هـ تقريبا في مدينة فاراب واشتهر بالفارابي نسبة إلى المدينة التي ولد بها .. ولقبه المعلم الثاني وبأرسطو العرب والمسلمين .. والسبب في تلقيبه بهذا اللقب يرجع إلى مكانته الكبيرة في الفلسفة ووفرة إنتاجه فيها ومتابعته لدراسات أرسطو وشرحه لنظرياته حتى لقد اعتبر أكبر الفلاسفة من بعده ، وأعظم ناشر وموضح لآرائه ولما كان أرسطو اشتهر بلقب المعلم الأول فأطلق على الفارابي لقب المعلم الثاني ( وافي ، 1393 هـ) .



تاريخ حياته :

عكف الفارابي في مسقط رأسه على دراسة طائفة من مواد العلوم والرياضة والآداب والفلسفة واللغات فلق تعلم بجانب لغته الأصلية التركية تعلم الفارسية واليونانية والعربية ..

لقد كانت نفسه : تطلع إلى معرفة الغيب ، واختراق الحجب ، ودراسته الفقهية وعمله في القضاء لم يساعده في ذلك وكان يحول بينه وبين ما يطمح إليه ومع مرور السنين زاد شوقه إلى معرفة الحقائق الخاصة بما وراء الطبيعة( وافي ، 1393) ..

فنلاحظ أنه نشأ في مدينته الأم فاراب ثم خرج وسافر وانتقل وقد غادر بلاده وهو في الخمسين من عمره تقريبا سنة 310هـ ...
انتقل بعد ذلك إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية وهو يناهز الخمسين عاما ولقد أعجب بها غاية الإعجاب فاستوطنها وأخذ عن شيوخها وأعلامها ...وأتم دراسته هناك وتتلمذ على يد الكثيرين فعل يد الطبيب يوحنا درس الفلسفة والمنطق والطب ، أما على يد أبي بشر متى بن يوسف فلقد تلقى الفلسفة والمنطق .. ودرس كذلك العلوم اللسانية على يد ابن السراج ودرس كذلك الموسيقى وأكمل دراسته في اللغات والطب والعلوم والرياضيات ..

وقيل ( لم يزل أبو نصر في بغداد مكبا على الأشتغال بهذا العلم والتحصل له إلى أن برز فيه وفاق أهل زمانه وألف بها معظم كتبه ثم سافر إلى دمشق ولم يقم بها ثم توجه إلى مصر (ياسين ، 1396،ص 7)

عشق السفر وأحبه وتنقل في الكثير من البلدان فانتقل كما شاهدنا إلى العراق ثم انتقل إلى الشام وكان في أثناء إقامته في الشام كان يتنقل من دولة إلى أخرى ولقد زار مصر ..

اشتهر الفارابي بحياة الزهد والتقشف فلم يتزوج ولم يقتن المال ويروى أنه من درجة تقشفه كان يسهر في الليل على ضوء قنديل الحارس لأنه لم يكن يقتني مال ليجلب قنديلا خاصا به ولقد كان يؤثر العزلة والوحدة ليخلو إلى التأمل والتفكير وكان يقضى معظم أوقاته في البساتين وعلى شواطئ الأنهار ..ويصفه ابن خلكان :

" على الرغم من أنه كان يستطيع أن يستمتع برفه العيش خصوصا في شيخوخته أيام استظلاله بظل الملك الجواد، سيف الدولة بن حمدان ، لكنه لم يتناول من سيف الدولة إلا أربعة دراهم فضة في اليوم ، يخرجها فيما يحتاجه من ضرورة العيش وهو : الذي اقتصر عليها لقناعته ، ولو شاء زيادة لوجد مزيدا "

ويصفه ابن خلكان بأنه ، كان يعيش عيشة قدامى الفلسفة .



عصره :

كانت الفترة التي عاش بها الفارابي فترة ضعفت فيها السلطة وعظم فيها نفوذ الأتراك الذين كان يعتمد عليهم الخلفاء العباسيون في إدارة شئون الدولة ، وزاد تدخلهم في أمور الحكم ، فعمت الفوضى، وساد الإضطراب .
ولما اضطربت الاحوال في بغداد انتقل إلى دمشق فعاش فيها في وحدة وعزلة منكبا على القراءة والتأليف .

مكانته العلمية :

اشتهر الفارابي بالذكاء والفطنة وتوقد الذهن واتقان فروع المعرفة التي سادت عصره ولد ذكرنا العلوم التي درسها(ربيع ، 1995 )
يقول بن خلكان : " الفارابي أكبر فلاسفة المسلمين على الإطلاق " إذ أثر العقل واهتدى بالمنطق ومن ثم لقب بالمعلم الثاني على اعتبار أن ارسطو هو المعلم الأول ، وللفارابي فضل كبير على الفلسفة العربية لأنه هو أول من عنى بشرح الكتب الأرسطية وعلق عليها فأتت نموذجا للذين اتوا بعده ، وخاصة ما تركه من أثر على الشيخ الرئيس ابن سينا .. .

يعتبر الفارابي المؤسس الحقيقي للدراسات الفلسفية في العالم العربي والمنشئ الأول لما نسميه الآن " الفلسفة الإسلامية " وهو أعرف فلاسفة الإسلام بتاريخ الفلسفة ونظريات الفلاسفة فهو يتحدث في مؤلفاته عن المدارس اليونانية ويبين الفوارق بينها ويحاول التوفيق بين أفلاطون وأرسطو( وافي ، 1393 )..

كان الفارابي في نهجه وتفكيره يشبه أرسطو أكثر من أفلاطون وهذه ناحية اختص بها دون غيره من فلاسفة المشرق فنرى بأن أجزاء فلسفة الفارابي تنطبق على أجزاء فلسفة ارسطوا ما عدا السياسة فإنه فيها متأثر بفكرة أفلاطون في جمهوريته المثلى
وكما أشتهر في الفلسفة اشتهر في شئون السياسة والاجتماع لفقد كانت الإثنان من أبرز مسائل الفلسفة فقد برز في علاج مسائلها ومن أشهرها كتاب المدينة الفاضلة الذي استخدمته في هذا البحث ..

ولقد أشتهر في تعلمه في اللغات حتى قيل عنه أنه يعرف أكثر من سبعين لغة .. ومما يدل على مبلغ شهرته بين معاصريه تمكنه من اللغة كتابة وحديثا فلقد أتقن اللغة العربية ونظم بها الشعر ..

ولقد أثار الفارابي بعلمع وعبقريته وعمق غوره إعجاب العلماء على مر العصور فتواترت كلماتهم جيلا بعد جيل في الثناء عليه فلقد قال عنه ابن نديم :
كان الفاربي من المتقدمين في صناعة المنطق والعلوم القديمة

وكان له معرفة واسعة بالطب لكنه لم يزاولها كمهنة بل اكتفى بدرسة فن الطب نفسه والوقوف على مختلف فروعه ولقد نبغ في الموسيقى ولو بها مؤلفات كثيرة ولقد ذكر أنه مخترع آلة القانون ..

فزبدة القول أن الفارابي يعتبر أحد فلاسفة الإسلام العظام ولعله أول من نقل إلى المسلمين فلسلفة أرسطو عامة وكتبه المنطقية خاصة وشرحها بأسلوب جيد هذا إلى جانب اهتمامه الشديد بكتاب جمهورية أفلاطون( ربيع ، 1995 )  




مركزه الفلسلفي :

للفاربي فضل كبير على الفلسفة العربية لانه هو أول من عنى بشرح الكتب الأرسطية وعلق عليها فأتت نموذجا للذين اتوا بعده وخاصة ما تركه من أثر على الشيخ الرئيس ابن سينا .. ولقد كان للفارابي في نهجه وتفكيره أشبه بأرسطوا منه بأفلاطون .. وهذه ناحية اختص بها دون غيره من فلاسفة المشرق ، إذ أننا نعتبر إبن سينا ميالا في تفكيره إلى أفلاطون أكثر منه إلى أرسطوا . وهكذا نرى بأن أجزاء فلسفة الفارابي تنطبق على أجزاء فلسفة أرسطو ما عدا السياسة فإنه فيها متأثر بفكرة أفلاطون في جمهورية المثالية (جزيني ، 1973، ص7 )

بعض الآراء في الفاربي :
قال قفطي :
" فيلسوف المسلمين غير مدافع .. برز في ذلك على أقرانه وأربى عليهم في التحقيق "

قال ابن أبي اصيبعة :
" كان – رحمه الله – فيلسوفا كاملا ، وإماما فاضلا . قد أتقن العلوم الحكيمة ، وبرع في العلوم الرياضية ، زكي النفس قوي الذكاء ، متجنبا عن الدنيا .. وكانت له قوة في صناعة الطب وعلم بالأمور الكلية منها "


مؤلفاته :
بلغت مؤلفات الفارابي من الكثرة ما جعل المستشرق الالماني ستينشنيرد يخصص لها مجلدا ضخما .. ولكن لم يصل إلينا من هذه المؤلفات إلا أربعون رسالة وقد طبع نحو نصف مؤلفاته التي وصلت إلينا في أصلها العربي ولا يزال باقيها مخطوطا .

ولقد ذكر القفطي قائمة بمؤلفات الفارابي يتضمن القسم الأكبر منها شروحا وتعليقات على فلسلفة أرسطو وأفلاطون وجالينوس ، تناول الفاربي كتب المنطق والطبيعيات والنواميس والأخلاق وما بعد الطبيعة(نجاتي وآخرون،1996 )

ومن أهم ما وصل إلينا من مؤلفاته الفلسفية والتي يسجل بها آفكاره الخاصة(وافي ،1393) :
-        كتاب الواحد والوحدة
-        كتاب الجوهر
-        كتاب الزمان
-        كتاب المكان
-        كتاب الخلاء
-        مقالة في معاني العقل
-        عيون المسائل
-        كتاب تحصيل السعادة
-        وغيرها من الكتب الكثيرة

ومن أهم ما وصل إلينا من مصنفاته التي تتمثل في شروح وتعليقات على مؤلفات أرسطوا شروحه وتعليقاته ..
-        كتاب المقولات
-        كتاب الأخلاق إلى نيقوماخوس
-        كتاب العلم الطبيعي
-        رسالة النفس والعالم

ووصل إلينا من مؤلفاته كتاب يوافق بين آراء أفلاطون وأرسطو وهو كتاب " كتاب في الجمع بين رأي الحكيمين أفلاطون الإلاهي وأرسطو طاليس "
ووصل إلينا من مؤلفاته في شئون السياسة والاجتماع :
-        آراء أهل المدينة الفاضلة
-        كتاب السياسات المدنية

أما من مؤلفاته في الموسيقى فهناك كتاب :
-        صناعة علم الموسيقى
وله كتاب اسمه ( إحصاء العلوم ) ولقد قسم فيه العلوم ثمان مجموعات درسها في خمسة فصول وعرض لكل مجموعة منها فذكر فروعها وموضوع كل فرع منه وأغراضه ووجوه الانتفاع به ...

وفاته :
ذكر المؤرخين إن الفارابي قد توفى بدمشق سنة 339هـ وقد ذكر أنه دفن بظاهر دمشق خارج الباب الصغير(وافي ، 1393 )   


  
خاتمة
جاء الفارابي فنظر في موضوع الشريعة والفلسفة لكنه آثر الرجوع خطوة إلى الوراء ليحصر الاتجاه الفلسلفي الذي يوفغ التوفيق بينه وبين الشرعة فصرف النظر عن المذاهب الفلسلفية القديمة المادية منها والطبيعية والدهرية والإنكارية وذلك على اعتبار أن أفلاطون وأرسطوا وهما علما الفلسفة في التراث اليواني  ( اليازجي ، 1975 ، ص 69 )
ويعتبر الفارابي كما قال مدكور: أول من صاغ الفلسلفة الإسلامية في ثوبها الكامل ، ووضع أصولها ومبادئها ، ونحن لا نذكر أن الكندي تنبه قبله إلى دراسة أفلاطون وأرسطوا ، وعرض لبعض نظرياتهما بالشرح والإختصار ، ولكنا لا نجد لديه مذهبا فلسفيا كاملا بكل معاني الكلمة بل هي نظرات متفرقة ومتعلقة بموضوعات مختلفة لا رابطة بينها ، أما الفارابي قد لم هذا الشعث ، وأقام دعائم مذهب فلسفي متصل الحلقات ) ( نجاتي ،    ص 55 )
ولقد انتهت حياته الحافلة حينا بلغ 80 من عمره ..












ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق